أهم القراءات في وثيقة البوليساريو التاريخية

أهم القراءات في وثيقة البوليساريو التاريخية
مفاتيح لفهم التناقض الظاهر بين المرافعة لصالح مغربية الصحراء وخلاصة الانفصال
لم يكن مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا ب"البوليساريو" انفصاليا كما هو مشاع، والكثير من رفاقه سواء في الجبهة أو في العديد من الأحزاب السياسية الوطنية المعارضة الذين عايشهم يعرفون هذه الحقيقة، ويعرفون أن مصطفى الوالي السيد الذي كان مع تحرير المناطق الصحراوية المحتلة إلى حدود منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي من طرف الاستعمار الإسباني، لم يكن يرغب في فصلها عن وطنها، ولا في تأسيس دويلة بالمنطقة.

إنها الحقيقة التاريخية التي تؤكدها الوثيقة التي كتبها بخط يده ويشرح فيها كيف أن الصحراء هي جزء من المغرب ويقول بصريح العبارة إنها "إقليم كسائر الأقاليم المغربية"، ويسند خلاصاته التاريخية هاته بالكثير من الشروحات والتحاليل التي يبسط فيها كيف أن منطقة الصحراء التي كانت مستعمرة من طرف جنرالات العجوز "فرانكو" كانت في التاريخ مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسلطة القائمة في المغرب.

كتب الوالي هذه الوثيقة في بدايات عقد السبعينيات من القرن الماضي، وسلمها للعديد من قادة الأحزاب الوطنية؛ من علال الفاسي إلى عبد الرحيم بوعبيد ورفاق الفقيه البصري ثم الرفاق في اليسار الجذري... في نفس الفترة العصيبة التي كان فيها المغرب الشعبي ومثلوه في الأحزاب الوطنية يعيشون ظروفا حالكة بعد الانقلابيين العسكريين الشهيرين وتوالي الاعتقادات والاختطافات التي لم تتوقف منذ بدايات الاستقلال...

ليس مهما أن يؤكد الوالي على مغربية الصحراء، ما دامت هذه هي الحقيقة التاريخية، بل إن هناك أجزاء أخرى مازالت مجزأة عن الوطن، لكن قد يكون مهما –ومن باب التاريخ- أن تعرف حقيقة مقاربة مؤسس البوليساريو حول هوية الصحراء.

المشكل ليس في مغربية الصحراء، وإنما في تدبير القضية الذي جعل الملف عالقا أزيد من ثلاثة عقود، حيث مازال جزء يسير من المجتمع السياسي يحكي عن الثغرات التي مازالت تلاحق القضية إلى اليوم.

إنها ورقة من أوراق الماضي، للتأمل، وقراءة طيبة.


انفجر مخيم "أكديم إيزيك" في الشهر الماضي بعاصمة الصحراء، وانفجرت العيون قبل ذلك في سنة 1999، وكانت الخيوط آنذاك متشابكة بين صقور العهد القديم، وبين بعض صناع أعمدة العهد الجديد، ثم ساد الاعتقاد أنها النهاية، وأن المواجهات في الصحراء ستنتهي في تلك الفترة قبل أن تتجدد في سنة 2005.

يبدو أن الصحراء كتب عليها أن تظل ساخنة كما رمالها مثل ما حدث منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود ونصف، لكن هل تعلمون أنه لم نكن في حاجة إلى هذه الانفجارات لو...

الصحراء مغربية، بل إن هناك أجزاء أخرى مازالت مجزأة عنها ولم يتم استرجاعها، وليس في هذه الخلاصة اكتشاف جديد، ليس بالمسبة للمغاربة فقط، ولكن بالنسبة للجهة الأخرى أيضا.

"البوليساريو"... أو جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التي كان يقودها الراحل مصطفى الوالي السيد تعترف بدورها مغربية الصحراء، وليس هذا التأكيد ضربا من الخيال.

الوالي الذي أسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، كتب مذكرة تاريخية بالغة الأهمية، وتتضمن تصوره لقضية الصحراء من حيث هويتها وعلاقاتها بمحيطها من باقي الدول... وفيها يخلص إلى أن الصحراء "إقليم كسائر الأقاليم المغربية".

ليس في ذلك أي تحريف، والكثير من رفاق مصطفى الوالي السيد سواء في البوليساريو أو في أحزاب اليسار المغربي بما فيها فصائل اليسار الجذري التي برزت في بدايات السبعينيات من القرن الماضي يعرفون حقيقة هذه المذكرة، ويعرفون سياق كتابتها، ويعرفون حقيقة قناعات الوالي... قبل أن تنقلب.

خلاصة الوالي من أن الصحراء "إقليم كسائر الأقاليم المغربية" لم تأت من فراغ، فهو يشير في تحليله أولا للعلاقة التاريخية بين الصحراء والمغرب الأقصى، ثم يؤكد أنها كانت جزءا منه فيقول: "إن تعاقب الدول والتنازع على السلطات وتناحر القبائل أدت إلى زيادة الهجرة لهذه المنطقة المحايدة الآمنة واللجوء إليها من كل مغلوب، بل وفي كثير من الأحيان الاعتصام بها من طرف الثائرين الذين يحضرون للانقضاض على أعدائهم، ونتيجة لهذه الهجرة المتعاقبة صوب الصحراء والمعاكسة أحيانا منها إلى المغرب، فقد كانت المنطقة مرتبطة ارتباطا وثيقا في غالب الأحيان بالسلطة القائمة في المغرب".

مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب يؤكد في نفس الوثيقة التي كتبها بخط يده أن سلطات مركزية كانت تمارس من قبل هذه الحكومات على سكان المنطقة، وخصوصا في حالة الحروب، فكانت كثير منها تجند سكان المنطقة لنصرتها، ثم يخاص: "ويمكن القول إن المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية".

هذه واحدة من بين الخلاصات التاريخية الكبرى في المذكرة المرجعية لمؤسس جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كما ننشرها في الصفحات الموالية.

يقول الدكتور علي الشامي السوري الجنسية الذي قضى سنوات البحث في هذا الموضوع الساخن في كتابه المتميز "الصحراء الغربية عقدة التجزئة في المغرب العربي" إن هذه الخلاصة يدعمها الوالي حينما يتحدث عن البنية الاجتماعية الواحدة الخاضعة لنظام قبلي مشترك تظل منه الصحراء بوصفها جزءا من بنية مغربية هاجرت إلى الصحراء بشريا، ثم يستنتج الوالي كما يؤكد الشامي: "لما كان النظام القبلي هو النظام السائد في شمال إفريقيا عموما، وفي المغرب على الخصوص منذ القديم وإلى عهد غير بعيد، فقد انتقل هذا النظام إلى الصحراء عن طريق سكانها الذين جاؤوا من الشمال، وقد غذته طبيعة الصحراء القاسية وألحت على التشبث به، وهكذا كانت المنطقة تحتوي على عدة قبائل متميزة عن بعضها، وإن كان هذا التميز لم يكن حتما نتيجة وضعية اقتصادية متميزة، كما أنه لم يفرض دائما تخصصا قبليا من ناحية الوضعية الإنتاجية...".

ويسند الوالي خلاصته في شأن النظام القبلي الموحد بالمنطقة حينما يعتبر أن العلاقات السائدة بين القبائل كانت موحدة في إطار مركزي صحراوي، وأن كل قبيلة تخضع لشيخ تجتمع حوله كلمة أكابرها، وأن السلطة الواحدة كانت تشريعية ومحصورة بخلاف القبائل فيما بينها وليست هيئة تمثيلية بالمعنى الموازي لتمثيلية السلطان المغربي: "وقد كونت القبائل في ما بينها مجلسا لحل النزاعات المستعصية في ما بينها عرف باسم "آية أربعين"، وكان هذا المجلس يشكل سلطة تشريعية عليا، ويرجع التنفيذ إلى أفراد كل قبيلة التي من عادتها الخضوع الطوعي لشيخها...".

ازداد الوالي سنة 1948 في ضواحي منطقة بئر الحلو، الواقعة شمال شرق الصحراء، وتابع دراسته الابتدائية في مدينة طانطان، ثم التحق في سنة 1966 بمعهد التعليم العالي الأصلي والشؤون الدينية بمدينة تارودانت، ثم تابع دراسته الثانوية بالرباط، ثم التحق بكلية الحقوق بالعاصمة الإدارية للبلاد بشعبة العلوم السياسية لمتابعة دراسته الجامعية...

التاريخ السياسي للوالي يؤكد أنه في السنوات التي قضاها مصطفى الوالي في رحاب الجامعة أنه كان من بين النشطاء الصحراويين المدافعين عن تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني، مثلما عرف بنشاطه في صفوف أحزاب اليسار في تلك الأوقات العصيبة كما تشير إلى ذلك الكثير من الكتابات والشهادات: "لقد كان الوالي واحدا من المناضلين الصحراويين الذين تولى جيش التحرير المغربي السهر على تربيتهم وتدريسهم في مدرسة تارودانت منذ أن كان طفلا"... "وواحدا من الذين عرفوا بنشاطهم الطلابي بنضاله لصالح تحرير المناطق المحتلة بتنسيق مع المناضلين الصحراويين داخل هذه المناطق المحتلة..." كما تقول بعض الشهادات لرفاق الفقيه البصري في الاختيار الثوري.

عرف عن مصطفى الوالي أيضا حماسه في مواجهة الاستعمار، وحماسه في تحرير المناطق المستعمرة من خلال تلك المنطقة التي كانت تعتبر من بين "البؤرة الثورية" حسب الأفكار والقناعات التي كانت سائدة لدى الرفاق في تلك الفترة، ولذلك فقد كتب الوالي وجهة نظره من أجل تحرير المنطقة بنفس المفاهيم والمرجعيات بكثير من الحديث عن العمل المسلح وحرب التحرير الشعبية... وقام بتسليمها إلى الرفاق في منظمة "23 مارس"، حيث صدرت في صحيفة هؤلاء الرفاق التي كانت تحمل نفس الاسم، مثلما سلمها لرفق الراحل عبد الرحيم بوعبيد في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وسلمها كذلك لرفاق الفقيه البصري في منظمة "الاختيار الثوري" فصدرت أيضا في مجلتهم التي كانت تحمل نفس الاسم، ثم سلمها أيضا إلى علال الفاسي...

كانت المحطة الأولى. يقول الدكتور الشامي. نقاشا حاميا بين الوالي وعلال الفاسي حول تقدير كل واحد منهما للموقف الذي توجد عليه القضية في تلك الفترة المؤثرة، ففي حين كان الوالي يرى أن الوقت مناسب للتحرك السياسي والمسلح لمواجهة مشروع "فرانكو" الذي كان يهدف إلى إقامة دويلة صحراوية، كان علال الفاسي يرى أن تحركا من هذا النوع لا يعطي النتائج المطلوبة، وبالتالي انتظار نتيجة المساعي "الرسمية" التي ستحمل عاجلا أم آجلا بشرى عودة الصحراء إلى حظيرة الوطن... "في حوار الوالي وعلال الفاسي كان الوطن واحدا بينما الهموم مختلفة"، يخلص علي الشامي الذي حصل على شهادة الدكتوراه في من خلال هذا البحث المميز والذي شرع قيه منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي.

وقد حاول الوالي في محطته الثانية إقناع قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فعقد اجتماعا مع عبد الرحيم بوعبيد، مثلما التقى مع بعض قياديي "23 مارس" ورفاق الفقيه البصري في الاختيار الثوري...

يقول نفس الكاتب أن المذكرة جسدت قناعات الوالي وانتماءه الوطني وجهده المتواصل لاستيعاب وضعية القضية التي آمن بها: "ففي هذه المذكرة التي قدمها للاتحاديين في يناير 1973، يحدد مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الهوية الوطنية للصحراء وبنيتها الاقتصادية والسياسية والثقافية...".

ويقول الوالي لتدعيم الترابط التاريخي المصيري بين الصحراء والمغرب. من جملة أسسه لتأكيد الارتباط بين الصحراء والمغرب. إن الصحراء كانت نقطة استراتيجية في صراع القوى الاستعمارية المتنافسة على المغرب، حيث تدخلت ألمانيا التي أسفرت مزاحمتها للدول الاستعمارية السابقة لها عن حدوث الأزمة المغربية سنة 1899، فحاولت ألمانيا السيطرة على المغرب بواسطة سيطرتها على الصحراء مهما كان الثمن ولو بالشراء، في المقابل واجه سكان الصحراء التنافس الاستعماري ب"تنسيق العمليات بينهم وبين الحركة في المغرب أي الطرف الذي تسيطر عليه فرنسا".

ويعتر الوالي أن الارتباط التاريخي إنما يقوم على قاعدة وحدة نضالية مشتركة لم تتخللها مشاعر متبادلة بالانتماء الإقليمي. ففي مواجهة استراتيجية فرنسية. إسبانية مشتركة ظل سكان هذه المنطقة "يحاربون في كل المناطق... ومرتبطين بنضالات إخوانهم في المغرب"... "ولما ظهرت الحركة التحررية أرفدوها تحت شعار الجهاد في سبيل الله أو على الأقل تأثروا بتأثيرها... وقد استقطب جيش التحرير في المغرب عددا هائلا من المناضلين المنتمين إلى المنطقة، والذين قاموا بعمليات بطولية كادت تحطم الأسعار في المنطقة لولا القضاء على جيش التحرير...".

ويرى الوالي في حرب التحرير مواجهة وحدوية ضد الاستعمار لا تعتريها نزعات صحراوية إقليمية ولم يقدمها سكان الصحراء بوصفها نمطا وطنيا على غرار الجزائر والمغرب، فينخرطون في الحرب وعيونهم تبحث عن حرية تضمن لهم وحدتهم التاريخية: "إن جماهيرنا ساهمت بصورة فعالة في جيش التحرير المغربي، وحتى استقل المغرب، وحل جيش التحرير وأدمج في الجيش النظامي، ثم شارك السكان بصورة أقل في جبهة تحرير الجزائر، الشيء الذي أجهض حركة النضال في داخل المنطقة المعنية، ولم ينلها ما نال المناطق المجاورة...".

يقول الوالي باختصار، إن عدم طرح قضية الصحراء كقضية خاصة في وقت التحرير المغربي –الكبير- هو عدم اكتساب الحركات المتصاعدة آنذاك صبغة إقليمية، ثم إن شعارها العالمي آنذاك الجهاد في سبيل الله لا يترك مجالا للتجزئة، كما يؤكد الدكتور الذي أصدر مؤلفه سنة 1980.

ليس مهما أن يؤكد الوالي أن الصحراء مغربية ما دامت هذه هي الحقيقة التاريخية، لكن قد يبدو من باب التاريخ أن يعرف أن مؤسس البوليساريو لم يكن في بداياته انفصاليا، وأن المذكرة. التي صاغها بيده في تلك الأوقات الحالكة حينما كان المغرب الشعبي يعيش بدوره على صفيح ساخن وليس الصحراء فقط بما فيها الأحزاب الوطنية التي التقاها الوالي وسلمها مذكرته. لا تتحدث عن "الشعب" بمفهومه الوطني، كما هو مهم جدا. للتاريخ والتاريخ فقط. أن يعرف أنه ما كنا لنصل إلى هذه المرحلة بكل تعقيداتها الكثيرة، فالوثيقة/ المذكرة لا تتحدث عن الانفصال السياسي والجغرافي، حيث يرد صاحب المذكرة على المشروع الإسباني المنادي بدولة مستقلة في الصحراء قائلا: "كما أن الشعار الاستعماري المغالط المستنزف لطاقتنا وهو توجيهنا إلى صديقنا بعد أن فرض علينا أنه عدونا، وذلك كي يستدرج هو منا وهو عدونا الأساسي والأصلي والرئيسي الأبدي، شعار أنه يحمينا من الدول المجاورة، فإنه كما قلنا شعار استعماري ليس إلا، أما في أصل الحقيقة فإن الشعوب المجاورة لنا هي شعوب عربية إفريقية إسلامية أصيلة، ومصيرنا هو مصيرها وهي صديق دائم لنا، بل إنها جزء منا، وهذه حقيقة خالدة خلود السماء فوق الأرض...".

يقول تصدير المذكرة كما جاء في مجلة "الاختيار الثوري" إنه في يناير 1973، قدم المرحوم مصطفى الوالي بصفته الكاتب العام للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب تقريرا لبعض المناضلين الاتحاديين حول قضية الصحراء... وإنه نظرا للقمع الذي تعرض له رفاق مصطفى الوالي من المناضلين الصحراويين من طرف النظامين الإسباني والمغربي، فإن بعض المناضلين لجأوا إلى الخارج لمحاولة التعريف بالقضية ودعمها... وأنه في هذا الإطار التقى مصطفى الوالي بفرع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالجزائر بتوصية من الداخل، وتمت دراسة إجراءات العمل المشترك من أجل تحرير المناطق المغربية المحتلة، وأنه في هذا الإطار بالضبط تم تسليم المذكرة المعنية، إلا أن تطور الأحداث وتزايد القمع المنسق ما بين النظامين من جهة وانطلاق "الحملة الدبلوماسية" من جهة ثانية، جعلت الوالي ورفاقه يعدلون عن المواقف التي عرفت بها "جبهة البوليساريو"، ومنذ ذلك الحين انقطعت كل صلة تنظيمية ببينهم وبين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

قد تكون هذه هي نفس الأسباب التي أدت أيضا إلى انقطاع الصلة بين الوالي وبقية الرفاق في فصائل اليسار الجدري في بدايات عقد السبعينيات من القرن الماضي، فكل الفصائل السياسية اليسارية بما فيها الرفاق في اليسار الجدري كانت تمر بدورها من ظروف ليست قاسية فقط، وإنما خطيرة أكلت ما يكفي من مناضليها، وإن هذه الظروف السوداء لم تتوقف منذ استقلال البلاد، حيث المئات من الاعتقالات والاختطافات في صفوف المعارضة، بما فيها المرحلة التي تلت سنوات الرعب الشديد بعد توالي الانقلابيين العسكريين الشهيرين، والتي لم تتوقف حتى طيلة سنوات السبعينيات...

الكثير من القادة من صفوف المعارضة في مغرب الحسن الثاني صرخوا بالثغرات التي ارتبكت في هذا الملف الساخن، وقد يكون في شهادة الراحل عابد الجابري تكثيف لجزء يسير من شهادات سياسيين ومقاومين عن هذه الثغرات والانتقادات: "نعم لقد كانت هناك أخطاء ارتكبت في حق الشباب الصحراوي الذي كان يدرس في الجامعات المغربية، أخطاء ارتكبت منذ الحقبة الاستبدادية التي كان فيها أوفقير وزيرا للداخلية واستمرت الأخطاء ترتكب إلى أواخر عهد المرحوم الحسن الثاني... أما مشروع إقامة دولة في هذه الصحراء فلم يعد له مكان في السياسة الدولية: لقد كان ذلك المشروع يهدف إلى إقامة بؤرة "ثورية" تكون منطلقا ل"تحرير" ما حولها، في إطار محاربة الإمبريالية زمن الحرب الباردة. كانت هنا "بؤر ثورية" مماثلة على الصعيد العالمي، مثل غينيا وإثيوبيا في إفريقيا الخ. هذا المشروع قد مات بسقوط الاتحاد السوفياتي. وقد استخلص سكان المناطق التي كانت معنية به الدرس اللازم. ولا أعتقد أن الشباب الصحراوي، الذي كان قد انخرط في هذا المشروع، سيتأخرون أكثر مما فعلوا، عن استخلاص الدرس".

يبدو أن هناك خيطا رابطا بين ما كتبه الوالي في بدايات فترة السبعينيات من القرن الماضي وما كتبه عابد الجابري بعد مرور عقود، حيث يقدم مؤسس البوليساريو في المحور السياسي للمذكرة مطالب عامة لا يطل منها المشروع الصحراوي الاستقلالي إلا من خلال تغييب الطرف الرئيسي الرسمي. المركزي وهو الاستعمار الإسباني: "ويشاع أن إسبانيا ستقيم استفتاء لتقرير المصير في السنة القادمة، وإننا لنطلب من الرأي العام العربي والإفريقي والإنساني أن يقف ضد تزوير إرادة الصحراويين التي لا يمكن سد الباب أمام تزويرها إلا:
1. بالاعتراف بتشكيلة شعبية لتسيير المنطقة خلال مدة الاستفتاء.
2. إنشاء حرس أهلي يكون خاضعا للقيادة الشعبية.
3. خروج الإدارة الإسبانية والعساكر الإسبانية الفاشية من المنطقة.
4. الاعتراف بعضوية الصحراويين داخل اللجنة الأممية التي ستشرف على الاستفتاء".

وإذا خيل للقارئ أن هناك تناقضا بين الفلسفة التي بدأ بها الوالي مذكرته –حول مغربية الصحراء- وبين خلاصاتها السياسية، فإن الكاتب السوري يشرح أن "التناقض الظاهر بيم مضامين المذكرة إنما يعكس ردة الفعل الصحراوية من جهة ووعي الوالي بقضيته من جهة ثانية، وإذا كان العرض المذكور يخالجه انحياز لشعور "مغربي" عند الوالي، فذلك ليس نتاج رغبة خاصة في تسييس الوالي، إنما تحديدا في محاولة لوضع "الكلام السياسي" في سياقه التاريخي ووسط الشروط التي أنتجته"، ثم يضيف: "لم يتحدث الوالي عن الشعل الصحراوي ولم يركز على كونه مغربيا، وفي هذا الغموض محاولة لنجاوز ردة الفعل مع أكبر قدر من الصحة التاريخية، إلا أنه كان يجسد ميلا تكتيكيا أساسه الاعتماد على الذات واستراتيجيا البقاء ضمن التاريخ الوطني الذي سعى الوالي لتحديده في مذكرته".

بصيغة أخرى، ما كان على الوالي أن يركز على هوية الصحراويين كمغاربة، مخافة "رد الفعل" في المنطقة من طرف الجزائر وموريتانيا وإسبانيا أيضا، ما دام أنه أكد على الهوية الوطنية المغربية للمنطقة في بدية مذكرته.

لقد جرت الكثير من المياه قبل أن تنقلب البوليساريو إلى الجهة الأخرى، ولم تكن إسبانيا والجزائر وموريتانيا وحدها المعنية بالقضية، بل إن ليبيا أيضا رفضت أن تظل في موقع المتفرج، وفي مذكرة الوالي ما يؤكد أن ليبيا التي لم تكن ترى مملكة الحسن الثاني بعين الرضى حاولت في مناسبات كثيرة استقطاب مؤسس البوليساريو إلى صفوفها... مثلما كانت القضية محط أنظار العالم المقسم إلى المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي مع ما لكل طرف من حسابات ومصالح واستراتيجيات... لكن، وفي تلك الأوقات العصيبة، وقبل أن تنقلب جبهة البوليساريو عن أهدافها الأصلية، اقترحت معارضة الحسن الثاني ما وصلنا إليه اليوم، الحكم الذاتي، وكتب الراحل عابد الجابري يشرح هذا الاقتراح وسياقه بكثير من الوضوح قائلا: "ونعود لنختم القول في هذه القضية بما بدأناه، أعني الترابط بين قضية الصحراء وقضية الديمقراطية في المغرب، نجحت المسيرة الشعبية وأدت مهمتها واسترجع المغرب صحراءه، وحان موعد تدشين "المسلسل الديمقراطي" بالانتخابات المحلية، وقد تزامن ذلك مع تطورات معاكسة للمغرب على الصعيد الدولي، فاقترح حزب المعارضة "الاتحاد الاشتراكي" بهذه المناسبة القيام بتمتين عرى الجبهة الداخلية بتوسيع مدى التجربة الديمقراطية لتشمل الصحراء المسترجعة، وذلك بإقامة نوع من الحكم اللامركزي فيها يعطي لإخواننا الصحراويين –كما قال رئيس المكتب السياسي لحزب المعارضة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد- صورة عن المغرب غير الصورة التي يعرفونها اليوم، صورة تجعلهم يطمئنون على مستقبلهم... وفي هذا الإطار نرى أنه يجب التفكير منذ الآن في نوع من اللامركزية الواسعة التي يجب إقامتها في الصحراء، تجعل سكانها يقتنعون بأنهم يمارسون بكل اطمئنان صنع مستقبلهم كجزء لا يتجزأ من الشعب المغربي. إننا إذا فعلنا ذلك سنضع حدا للدعايات المغرضة التي تشوه نوايا الشعب المغربي. إن إقامة نظام لا مركزي ديمقراطي في الصحراء شيء أساسي وضروري لأن الوضع الجغرافي والاقتصادي والبشري يفرض ذلك".

لقد تولى عابد الجابري توضيح الفكرة على صفحات جريدة الحزب التي كان يشرف على التوجيه فيها، فكان مما أكد عليه في هذا الصدد "أن الصحراء كانت دائما وستظل دائما مغربية، ولكن هناك واقعا تاريخيا جغرافيا اجتماعيا لا يمكن نكرانه. فمن الناحية السياسية كانت الصحراء المغربية تابعة للسلطة المركزية. كان السلطان يعين نائبا عنه هناك يكلفه مع المواطنين الصحراويين بالسهر على الأمن والقيام بمختلف الواجبات الوطنية. كانت هناك لا مركزية تفرضها طبيعة المنطقة، فعلاقة المنطقة لم تكن مع السلطان مباشرة بل عبر نائب له واسع الصلاحيات. ومن الناحية الجغرافية إن صحراءنا الجنوبية مترامية الأطراف قليلة العمران صعبة المواصلات فكيف يمكن عمليا السيطرة مركزيا على إقليم من هذا النوع. ومن الناحية الاجتماعية ما زال معظم سكان الصحراء المغربية بدوا رحلا يتنقلون بإبلهم وخيامهم في هذه الصحراء المترامية الأطراف تنظمهم نظم وعادات وتقاليد وأعراف هي نسيج وحدتهم الاجتماعية. إن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والبشرية في الصحراء تشكل نمطا خاصا: لا يمكن مثلا منع الصحراويين في إقليمنا المسترجع من الاتصال بالمصاهرة أو بالتجارة أو بغيرها مع السكان الصحراويين في موريتانيا أو في الجزائر، ولا يمكن إقامة حدود جمركية فعالة..."

هذا ما اقترح من طرف قيادة المعارضة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، قبل أن تتواتر الأحداث التي بدأت بحل جيش التحرير أولا وتصفيته ثانيا مع أنه استطاع أن يؤكد نضالاته التحريرية بوصوله إلى منطقة "أطار" في موريتانيا، وإلى تيندوف أيضا على الأراضي الجزائرية اليوم مع الكثير من التضحيات... بالإضافة إلى ترك المقاومة الصحراوية بدون احتضان، وعدم طرح قضية تصفية الاستعمار الاسباني لسبتة ومليلية، والاعتماد على الأعيان، وسيادة المقاربة الاقتصادية التنموية الشمولية، وانحصار تدبير الملف من جهة واحدة كما يشهد جزء من المجتمع السياسي الذي مازال يشير إلى أن ما جرى في الماضي مازال يلاحق الملف منذ أزيد من ثلاثة عقود...

المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية الأخرى

بعد أن تمكن الإسلام في شمال إفريقيا، وبعد أن توافد المهاجرون العرب من الشرق، صار الاهتمام يزداد بإفريقيا وينشر الإسلام فيها بعدما اطمأن الفاتحون على مستقبل الإسلام في جنوب أوربا (الأندلس) وكان من الطبيعي أن تكون المنطقة الصحراوية طريقا إلى إفريقيا، مما جعلها تكون محط اهتمام بالغ من الدول المتعاقبة على المغرب خصوصا.

ونتيجة للتشابه التام بين مناخ الجزيرة العربية وطبيعتها الصحراوية ومناخ وطبيعة المنطقة، ولتشابه المعيشة، فإن كثيرا من المهاجرين بعدما انتهوا من مهامهم كفاتحين في الشمال الإفريقي، هاجروا إلى هذه المنطقة تعويضا لهم عن وطنهم نظرا للاختلافات المتتالية والمناوشات التي تنشب من حين إلى آخر داخل المغرب.

كما أن تعاقب الدول والتنازع على السلطات وتناحر القبائل أدى إلى ازدياد الهجرة لهذه المنطقة المحايدة الآمنة واللجوء إليها من كل مغلوب، بل وفي كثير من الأحيان الاعتصام بها من طرف الثائرين الذين يحضرون للانقضاض على أعدائهم، ونتيجة لهذه الهجرة المتعاقبة صوب الصحراء والمعاكسة أحيانا منها إلى المغرب، فقد كانت المنطقة مرتبطة ارتباطا وثيقا في غالب الأحيان بالسلطة القائمة في المغرب، فقد كانت المنطقة مرتبطة ارتباطا وثيقا في غالب الأحيان بالسلطة القائمة في المغرب، وكثيرا ما كانت تمارس سلطات مركزية من قبل هذه الحكومات على سكان المنطقة، خصوصا في حالات الحروب، فكانت كثير منها تجند سكان المنطقة لنصرتها، ويمكن القول إن المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية الأخرى.

سكان الصحراء ظلوا يحاربون الاستعمار في المنطقة ومرتبطين بنضالات إخوانهم في المغرب

في نهاية هذه الفترة. نهاية القرن التاسع عشر. كانت ثلاث دول استعمارية توجه أنظارها إلى المنطقة باهتمام: البرتغال وإسبانيا وبريطانيا. وفي هذه الفترة أيضا بدأ اقتسام النفوذ بالطرق السلمية والمشاورات فيما بينها. ونظرا لقرب إسبانيا من المنطقة جغرافيا لأهميتها بالنسبة إليها كحجاب للجزر الكنارية، ولاهتمام الدول الأخرى بمناطق نفوذ أخرى كآسيا بالنسبة لبريطانيا، وإفريقيا الجنوبية بالنسبة للبرتغال، ولاهتمام إسبانيا الكبير بالمنطقة سواء نتبيجة لتمركزها في الجزر الكنارية، أو نتيجة اهتمامها بالثورة السمكية التي ازدادت أهميتها يوما عن يوم، لهذا نشأت شركة الصيد الكناريو الإفريقية التيتهتم بالمنطقة وتعمل على تركيز النفوذ الاستعماري والتي ضغطت على الحكم الإسباني فأصدر مرسوما ملكيا بإنشاء مرفأ (بونتون) بالداخلة. ونتيجة للأعمال الاستغلالية في المنطقة تأسست الشركة التجارية الإسبانية الإفريقية لوضع محطة تجارية لإنشاء خط دائم للبواخر التجارية وذلك سنة 1883 وكان لنفوذ الشركتين الاستعماريتين داخل إسبانيا وتأثيرها على الحكم فيها، إذ أنشأت شركة ثالثة لصنع الأسلحة تدعى (لوبيز) والتي كونت شركة (ترانز أتلانتيكا) والتي أخذت تتزعم المطاعم الاستعمارية في المنطقة مدعمة بأطماع البورجوازية الاستعمارية. كما ظهرت أيضا مساعدة البنك العام بمدريد الذي أنشء بأموال إسبانية مساهمة مصالح استعمارية وأخذت هذه الشركة تعبئ الرأي العام الإسباني بإيديولوجية توسعية استعمارية، وفي خريف 1883 توجت هذه الشركات بالشركة الإفريقية الاستعمارية. وفي 30 مارس قدم المجتمعون في الحمراء ملتمسا إلى الكورتس يعلنون تأييدهم الاستعماري للشركة الإسبانو-الإفريقية، وفي عام 1884 نزل (اميلو بونيلي) في شاطئ وادي الذهب وعقد معاهدة مع بعض رؤساء القبائل الجهلة الخونة تهدف إلى تنفيذ المخططات الاستعمارية، فمنح بموجبها لشركة إفريقيا الاستعمارية، فمنح بموجبها لشركة إفريقيا الاستعمارية حق استغلال منطقة تضم 500 كلم من بوجدور إلى الكويرة. وقد لعبت هذه الشركة دورا رئيسيا في تركيز الاستعمار في المنطقة.

وفي هذه السنة أيضا قرر مجلس الوزراء وضع وادي الذهب و"عنكرة سنتاس" هذه المناطق الواقعة في الصحراء تحت الحماية الإسبانية.

وأشعرت الحكومة الإسبانية بهذا القرار كلا من الحكومة الإنجليزية والفرنسية في 9 يناير 1885 إلا أن هاتين الدولتين لم ترضيا هن القرار فاحتجت عليه بريطانيا وتخوفت منه فرنسا خصوصا وأن فيه منافسة لها وهي تريد إقامة خط حديدي من الجزائر إلى السينغال. إلا أن مؤتمر برلين سوى المشكلة بين المتنافسين. فتوجهت إنجلترا إلى الشرق الأوسط و"قنعت" فرنسا بشمال إفريقيا. وفي هذه الأثناء دخل منازع آخر إلى الميدان هو ألمانيا بقيادة بيسمارك الذي يقول "إن ألمانيا تأخذ مؤقتا إزاء الخلاف الفرنسي-الإسباني موقف الملاحظ الساكت الصامت".

والجدير بالذكر أن بلجيكا اهتمت بالمنطقة هي أيضا، فأعلن "ليوبولد الثاني" عن ذلك قائلا: "هناك تعاون إسباني – بلجيكي لإنشاء محطة في وادي الذهب".

ونتيجة للتواطؤ الحاصل بين إسبانيا وبعض الدول الاستعمارية الأخرى. والتنافس بينها وبين البعض الآخر، فقد سارعت إلى إلحاق ما بين "الكويرة" و"بوجدور"مع 150 ميلا داخليا لجزر كناريا بواسطة ظهير ملكي منح إسبانيا التمتع بوضعية حقوقية في المنطقة.

إلا أن التناقضات الأساسية الخانقة التي أصبحت تعيشها الرأسمالية لمتسمح بتوغل الاستعمار داخل المنطقة وكذلك المواجهة الوطنية للسكان بعدما أحسوا بالخطر الاستعماري الذي أصبح يهدد كيانهم داخل ديارهم. وكعلاج للأزمات المالية التي يعاني منها النظام الرأسمالي داخل إسبانيا تركت حواجز بين إسبانيا والصحراء سنة 1895 وواكب ذلك ظهور ألمانيا كدولة رأسمالية قوية تريد حقها من الأسواق وخلق إمبراطورية تابعة لها، ونتيجة مزاحمتها للدول الاستعمارية السابقة لها نتجت الأزمة المغربية سنة 1899. فحاولت ألمانيا السيطرة على المغرب بواسطة سيطرتها على الصحراء مهما كان الثمن ولو بالشراء، ووعدت النامسا بالاقتسام معها. ولكن السكان لم يريدوا بيع أرضهم ولا التعامل مع ألمانيا لأنهم ندموا على الحيلة التي وقعوا فيها في الماضي مع إسبانيا المتثعلبة. وقد ساعد على إبعادها عن المنطقة التسوية التي قامت بينها وبين فرنسا فمنحتها منطقة في إفريقيا "طوغو" بدلا من منافستها على المغرب.

وهنا وقعت المواجهة بين إسبانيا وفرنسا مرة أخرى نتجت عنها معاهدة باريس في 27 يونيو 1900 تممت بمعاهدة 1904 والتي تبعتها معاهدة 27 نونبر 1912. وعندما خلا الجو لإسبانيا في المنطقة احتلت طرفاية بقيادة "فرانسيس بانس" ولما تمركز قدم الاستعمار الإسباني في الصحراء أنشأ "باتس" محطة "ماكوتيكي" في "الكويرة" سنة 1920 وحطت الشركة الاستعمارية الإفريقية قواعدها في كل من الداخلة وطرفاية، ونظرا لإحساس السكان بالخطر ونظرا لتحركاتهم المناهضة لهذا التمركز الاستعماري نقلت إيبانيا إلى المنطقة أكثر من ألف جندي كسند لجنودها هناك.

وأمام هذا الوضع لم يزدد السكان إلا نفورا من الاستعمار وحقدا عليه ومقاومة له، فبدأ تنسيق العمليات بينهم وبين الحركة في المغرب أي الطرف الذي تسيطر عليه فرنسا. وقد واجهت الدولتان المستعمرتان –خصوصا وأن فرنسا تعاني من المجابهة في موريتانيا من طرف نفس السكان –هذا الوضع بتنسيق عملياتها ضدالثوار وتكوين جيش خاص بالصحراء "مهاريست" للقضاء على العمليات الفدائية المناوئة لهما. ونظرا للتفوق العسكري للاستعمار على السكان في المنطقة، تم احتلال مدينة "السمارة" سنة 1934،وفي سنة 1946 قام الاستعمار الإسباني بتقسيم المنطقة إلى ثلاث مناطق.

- منطقة ملحقة مباشرة بالدولة الإسبانية تحوي ما بينالكويرة وبوجدور.
- منطقة مستعمرة من بوجدور إلى الدورة.
- منطقة محمية من الدورة إلى وادي درعة "تافنيدلت".

لكن سكان هذه المنطقة ظلوا يحاربون في كل المناطق الثلاث ومرتبطين بنضالات إخوانهم في المغرب، ولما ظهرت الحركة التحررية أرفدوها تحت شعار الجهاد في سبيل الله أو على الأقل تأثروا بتأثيرها. وقد استقطب جيش التحرير في المغرب عددا هائلا من المناضلين المنتمين إلى المنطقة، والذين قاموا بعمليات بطولية كادت تحطم الاستعمار في المنطقة لولا القضاء على جيش التحرير. وهكذا طلبت الحكومة المغربية في السنوات الأولى من الاستقلال من جيش التحرير الصحراوي الانخراط في الجيش النظامي، ولكن المقاومين الصحراويين في جيش التحرير رفضوا لأنه في نظرهم لازال باب الجهاد لم يقفل لأن العدو لازال يحتل أراضيهم،وهكذا على كل حال حل جيش التحرير ودخل عدد قليل منه في الجيش النظامي، ورجع العدد الآخر وهو الأكثر إلى الأرض المستعمرة وهو الآن يعمل في الطرق وفي وادي بوكراع والعيون والداخلة والسمارة يقودها عمال سبق لهم أن كانوا في جيش التحرير، كما أن العمليات التي تدار ضد المستعمر الفاشستي لهم باع كبير فيها.

النظام القبلي الذي كان سائدا في المغرب هو الذي كان معمولا به في الصحراء

لما كان النظام القبلي هو النظام السائد في شمال إفريقيا عموما، وفي المغرب على الخصوص منذ القديم وإلى عهد غير بعيد، فقد انتقل هذا النظام إلى الصحراء عن طريق سكانها الذين جاؤوا من الشمال، وقد غذته طبيعة الصحراء القاسية وألحت على التشبث به، وهكذا كانت المنطقة تحتوي على عدة قبائل متميزة عن بعضها، وإن كان هذا التمييز لم يكن حتما نتيجة وضعية اقتصادية معينة، كما أنه لم يفرض دائما تخصصا قبليا من ناحية الوضعية الإنتاجية، وعلى كل حال كانت كل قبيلة تخضع لشيخ اجتمعت حوله كلمة أكابرها، واقتنعت غالبيتها بسداد رأيه وحسن تفكيره، وثبتت لها شجاعته وحسن تدبيره، ولم يكن هذا الشيخ متسلطا ولا مضطهدا ولا إقطاعيا... وإنما كان في الغالب شخصا كريما سديد الرأي، مقداما عند الشدائد، وقد كونت القبائل في ما بينها مجلسا لحل النزاعات المستعصية في ما بينها عرف باسم "آيت أربعين"، وكان هذا المجلس يشكل سلطة تشريعية عليا، ويرجع التنفيذ إلى أفراد قبيلة من عادتها الخضوع الطوعي لشيخها.

وقد قضى الاستعمار على هذا المجلس كما قضى على الشيخ بالمفهوم المتميز عمليا، إذ أصبح الاستعمار يعين الشيوخ من الحائزين على رضاء بعمالتهم له، وحقدهم فشعبهم ومناهضتهم لمطامحهم في التحرر والكرامة. فالشيخ بدلا من أن يكون من أكرمها وأبذلها لماله ولنفسه أصبح من أحرصها على جمع المال لشراء سيارة "سانتانا" والفراش الإمبريالي كي يرضى الحاكم الإسباني الاستعماري إذا دخل عليه المنزل، كما أنه بدلا من أن يكون من أشجع قبيلته وأكثرها استعدادا للدفاع عن كرامتها، أصبح من أجنبها وأكثرها استعدادا لبيع كرامة كل الشعب الصحراوي لا القبيلة فقط "بخنشة من الدقيق". وعلى العموم فإن الشيخ أصبح إنسانا جبانا عميلا للاستعمار، كما أن المجلس قضى عليه نهائيا.

ومن سمات السكان أيضا أنهم رحل يجوبون الصحراء، لا المستعمرة فقط، بل الكبرى كلها تقريبا بحثا عن المراعي لدوابهم، وكثيرا ما كان الماء والمرعى سببا في الخلافات بين القبائل، غير أن هذه القبائل كانت تتحد باسم الجهاد لطرد الغزاة المستعمرين، وقد ظهر ذلك في كثير من النضالات التي خاضتها سواء ضد فرنسا في الشرق والشمال، أو ضد إسبانيا في الجنوب والغرب.

عن الأيام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق