قراءة في التعيينات الأخيرة للولاة والعمال


هناك خمسة عناوين كبرى تستخلص من التعيينات الملكية للولاة والعمال (55 مسؤولا) التي احتضنها القصر الملكي بالرباط يوم 26 نونبر 2010.

أولا: رد الاعتبار لـ«أم الوزارات»، ونقصد بذلك وزارة الداخلية التي كرستها التعيينات الأخيرة كخزان رئيسي تغرف منه الدولة من ستكون له حظوة تمثيل الملك في هذه العمالة أو تلك الإدارة، بدليل أن 87 في المائة من التعيينات تخص أبناء الوزارة، ممن تدرجوا في أسلاكها منذ مدة.
 
رد الاعتبار لم يقتصر على الوزارة، بل طال أطرها بالنظر إلى أن أغلب المعينين تمت ترقيتهم إلى درجة وال أو عامل، وهي الترقية التي يمكن ربطها بثلاث قراءات: قراءة منصفة لعمال اعترفت الدولة بخدماتهم وارتأت تكريمهم وهم على مقربة من المشوار المهني (مثلا بنمبارك، بزاع، عميمي)، ثم قراءة تروم الاعتراف بمجهود المدراء المركزيين بالوزارة، والذين يشرفون على كل الملفات الحساسة وترتيب الزيارات الملكية قبل تدشين هذا المشروع أو ذاك، لكن دون أن تكون لهم نفس الوضعية الاعتبارية لزملاء لهم يشغلون بدورهم مناصب مدراء مركزيين إلا أنهم يتفوقون عليهم برتبة عامل، مع ما يعنيه ذلك من فارق بروتوكولي رمزي وفارق مالي أيضا في الأجرة والتعويضات. وبالتالي جاءت التعيينات الملكية الأخيرة لتضع حدا لهذا «الأبارتيد» داخل وزارة الداخلية وإزالة حيف كان يعمق الجراح داخل «أم الوزارات» وإنصاف كل المدراء المركزيين (انظر الصفحة 13) أما القراءة الثالثة فهي قراءة «البركة» -بفتح الباء والراء- التي ترتبط بشخص وزير الداخلية الطيب الشرقاوي الذي يعتبر أحد أوفياء القصر، أي أن الوزير الجديد بقدر ما يترجم إرادة الدولة في العطاء، فإن ذلك يحتمل أيضا عزمها على الضرب بيد من حديد على كل رجل سلطة ثبت في حقه التقصير أو عدم استيعاب ما يدور في العقل العام للدولة.

ثانيا: إرجاع الأمنيين من الباب الشرفي بعد أن غالت التأويلات في تفسير إعفائهم من مناصبهم السابقة، ونخص بالذكر هنا العامل بوشعيب ارميل المعين بإقليم مديونة ونجيب الكوراني المعين عاملا مكلفا بالشؤون العامة بولاية البيضاء.
فبوشعيب ارميل تدرج في كل أسلاك الشرطة وانتهى به المطاف واليا للأمن بالعيون، مرورا بالبيضاء وتاوريرت ومديرا للأمن العمومي، إلا أن إعفاءه من منصبه الأخير كوال للأمن بالعيون أعطيت له تفسيرات في الصالونات بشكل جردت الرجل من تاريخه المهني، علما بأن الواقع يسجل أن العيون لم تعرف هدوءا أو تطبيعا تاما إلا حينما حل بها ارميل، بل كان هذا الأخير وراء الزيارة الناجحة للملك للأقاليم الجنوبية عام 2006.
واختياره عاملا على مديونة لم يكن من باب رد الاعتبار له فقط، بل لأن الدولة واعية بالتبعات الناجمة عن انفلات الأمن العام بالضاحية الجنوبية للبيضاء، لما تمثله (خاصة الهراويين ونواحيها) من رهان ملكي قوي، إذ أن الهراويين مرشحة لاستقبال سكان كاريان سنطرال، فضلا عن أنها خصصت كقطب حضري لاستقبال 250 ألف نسمة. إلا أن المشكل المطروح بالإقليم أن هناك انفلاتا بارزا، حيث تحولت الهراويين إلى منبت لشكلين من أشكال التطرف (التنظيمات التكفيرية وشبكات المخدرات والمجرمون)، وهي منطقة خبر ارميل مخاطرها منذ أن كان رئيسا لأمن عين السبع الحي المحمدي في عام 1993، حيث رغم أن المنطقة كانت خاضعة لرجال الدرك، فإن تماسها مع تراب البرنوصي (آنذاك لم تكن عمالة البرنوصي تتوفر على أمن إقليمي وكانت تابعة لأمن عين السبع) جعل رجال ارميل يضعونها تحت كشافات الضوء. كما خبرها حينما أصبح واليا للأمن على العاصمة الاقتصادية، بالنظر إلى أن الأحداث الإرهابية ليوم 16 يوم 2003 بينت بالحجة أن الشريط الضاحوي الجنوبي كان يزود الإرهاب بـ «حطب جهنم».
أضف إلى ذلك أن عمالة مديونة أصبحت تقريبا شبه أمنية بعد أن انسحب الدرك مؤخرا من تيط مليل، ثم مديونة. وبالتالي كان لابد من عامل على رأسها ذي حس أمني يصاحب بناء إدارة أمنية منشغلة بسؤال الأمن العام بالدرجة الأولى في منطقة حساسة، وهذا ما يقودنا إلى العنوان الثالث.

ثالثا: ويتجلى في اختيار أمل بنبوبكر عاملا على عمالة الحي المحمدي عين السبع. فبنبوبكر سبق ووصفناه بالمنتوج البيضاوي الخالص (made in casa)، نظرا لأن كل مناصبه قضاها بالدار البيضاء (رئيس قسم بالولاية، كاتب عام بالولاية، عامل عمالة عين الشق، عامل عمالة أنفا، عامل عمالة البرنوصي، ثم حاليا عامل الحي المحمدي). إلا أن تعيينه الأخير لا يغيب عن فطنة كل متتبع بسبب قنبلة كاريان سنطرال الذي أصبح وصمة عار على جبين المغرب، ليس لأنه كاريان الملوك الثلاثة (محمد الخامس، الحسن الثاني، ومحمد السادس) فقط، بل لأن المغرب حاز على جائزة الأمم المتحدة للإسكان في شتنبر الماضي دون أن ينتشي بحلاوتها بسبب استمرار نعت المغرب بكونه يأوي أول وأقدم كاريان بالعالم (كتاب تيري باكو T. PAQUOT بعنوان: le monde des villes»، مما جعل الدولة تضع نصب عينيها خمسة تجمعات صفيحية من الواجب اجتثاثه مهما كان الثمن وبأسرع وقت، وهي: كاريان السكويلة وكاريان طوما وكاريان سنطرال وكاريان باشكو ودوار سيلبات (هذا الأخير تم دكه في الصيف الماضي). وبما أن بن بوبكر أفلح في وضع مشروع أهل الغلام الخاص بإيواء ساكنة السكويلة وطوما فوق سكته، كان لزاما البحث عمن سيريح الدولة من عبء قنبلة كاريان سنطرال فتم اختيار بنبوبكر، خاصة وأن الفترة التي قضاها بنبوبكر ينوب عن الهومام (المعين واليا على وجدة) في تدبير شؤون عمالة عين السبع مكنته من إذابة جليد عدة ملفات وتسوية عدة قضايا.

رابعا: لكن الأمن لا يقتصر على الأمن العام داخل المدار الحضري وخارجه، بل يشمل أيضا وبالدرجة الأولى المعلومة التي تكون حاسمة في اختيار القرار المناسب. وبسبب البياضات التي عاشتها الدارالبيضاء في هذا الباب وصراع الأجنحة وتضاربها حول المعلومة كانت السلطة بالبيضاء من قبل رهينة التمزق. مما حذا بصانع القرار إلى تغيير بروفيل من سيتولى مهمة الشؤون العامة بولاية الدارالبيضاء. فكان ذاك الاختيار القاضي بتعيين البقالي المختار القاسمي كأول مسؤول بجهاز الشرطة على رأس الشؤون العامة بولاية البيضاء برتبة عامل، وهو اختيار أعطى ثماره لكون البقالي كان «ولد الدار» ويصعب أن يتعرض لـ«التيه» وسط تضارب الأجهزة (إعطاء الأخبار بايتة). هذه المصالحة التي ربحتها الدارالبيضاء في مجال المعلومة مع كل المصالح (درك، بوليس، إدارة ترابية...إلخ) فتحت شهية الدولة للإتيان بخبير أمني آخر صاحب حس استعلاماتي خوفا من أن تنهار كل الاشراقات المحققة، فوقع الاختيار على رئيس الأمن نجيب الكوراني الذي يعتبر هو الآخر «ولد الدار» وملم بدواليب البيضاء.

خامسا: هذا العنوان يرتبط ارتباطا وثيقا بأحداث العيون الأخيرة، عبر الإتيان بخليل ادخيل واليا عليها محل محمد جلموس الذي انتقل إلى ولاية أسفي. ليكون ادخيل بذلك هو المسؤول الترابي رقم 12 الذي سيدير شؤون العيون منذ استرجاعها عام 1975. إذ تعاقب عليها كل من: محمد بنسودة، اسعيد واسو، السليمان حداد، صالح زمراك، حسن أوشن، علال السعداوي، عبد اللطيف الكراوي، محمد الغرابي، الشرقي الضريس، امحمد الظريف، محمد جلموس.
تعيين ادخيل اعتبرته أوساط صحراوية استقت «الوطن الآن» آراءها أنه يدخل في إطار إطفاء الاحتقان بهذه المدينة خاصة وأنه صحراوي ذو شبكة ممتدة من العلاقات مع مختلف القبائل، إما عن طريق الدم أو المصاهرة، وهي العلاقة التي حافظ عليها حتى وهو في الإدارة المركزية منذ عام 2000، خاصة وأن فترة جلموس (عين في يناير 2009) تميزت بالعداوة المتبادلة بين الإدارة الترابية والمنتخبين بشكل أدى إلى تعطيل «الرويد في الغيس»، خاصة بعد دخول حزب الاستقلال على الخط واتهام جلموس بأنه «سفير حزب البام» في العيون وليس ممثل الدولة المحايد، مما أدى إلى تسمم الأجواء بالمدينة.
إلا أن تعيين ادخيل على رأس ولاية العيون لا يعني التضحية بمحمد جلموس، وإلا فقد تغوص «القراءات السبع» في تأويل ذلك بأن الدولة تتخلى عن ممثليها. في هذا الإطار اعتبر تعيين جلموس واليا على أسفي بمثابة تثبيت لهيبة الدولة، خاصة وأن الجهة التي عين فيها (عبدة دكالة) تعد من أهم الجهات الفلاحية في المغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق