راهن قائد الجماهيرية الليبية معمر القذافي على التحولات الجيوسياسية الدولية التي فرضتها أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 لإخراج ليبيا من عزلتها الطويلة من خلال تطبيق سياسة انفتاح دبلوماسي وسياسي.
في مستهل هذه التغييرات، قام الزعيم الليبي بتقديم تعويضات مالية لكل من ضحايا "حادثة لوكربي" 1988 [وهي حادثة تحطم طائرة أمريكية كانت تقل على متنها 259 راكبا متوجهين من لندن إلى نيويورك، تفجرت في سماء قرية لوكربي الاسكتلندية في ديسمبر/كانون الأول 1988، واعترفت ليبيا بمسؤوليتها فيها سنوات بعد وقوع الكارثة] وحادثة طائرة "ديسي 10" الفرنسية [التي تحطمت في الصحراء في سبتمبر/أيلول 1989 مخلفة 270 قتيلا، والتي ثبتت مسؤولية ليبيا عن تحطمها] فضلا عن الملهى الليلي الألماني الذي تم تفجيره سنة 1986.
وردا على هذا الانفتاح، صوت مجلس الأمن الدولي في أيلول/ سبتمبر 2003 على قرار يقضي برفع العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على طرابلس، فيما قرر القائد الليبي في ديسمبر/ كانون الأول من نفس السنة إنهاء برنامج أسلحة الدمار الشامل التي كانت بلاده تعتزم الشروع فيه. ولم يقتصر التحول الليبي على ذلك فقط، بل تعهدت طرابلس أمام الإتحاد الأوروبي بالسعي إلى القضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
اقتصاديا، ساعدت ثروات البلاد الطبيعية، خصوصا النفط، في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وفي تنفيذ إصلاحات شملت ميادين اجتماعية ومالية متعددة، مثل تفكيك الاحتكار الذي كانت الدولة تمارسه على الواردات، إضافة إلى تخفيض الضرائب الجمركية ودعم القدرة الشرائية للسكان.
وبعد 30 سنة من الحرمان والانغلاق، أصبح المجتمع الليبي يستهلك السلع الغربية المستوردة. فعلى سبيل المثال، يمتلك حاليا بين 3 و5 ملايين ليبي هاتفا محمولا، في حين تحتل ليبيا المرتبة الـ58 عالميا من حيث النمو والازدهار الإنساني، حسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية.
إلا أن في ليبيا لا زالت الحريات الأساسية مقيدة وحرية التعبير ممنوعة، ناهيك عن انعدام حرية تأسيس جمعيات مدنية أو أحزاب سياسية، التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام بحسب المادة 207 من قانون الجنايات.
ولم يمكن قرار إلغاء محاكم الشعب في 2004 من تحسين صورة ليبيا في الخارج. فلا تزال حقوق المواطنين مسلوبة، في حين تعاني المعارضة الإسلامية من الاضطهاد.
ويبقى السؤال المطروح هل بإمكان الجمعيات السياسية والجماهيرية الابتعاد عن النظام الليبي الذي أرساه العقيد القافي وهل هي قادرة على مواكبة التغيرات السياسية والاقتصادية التي تحدث في العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق